العصر الأول: المماليك البحرية (648- 792هـ).. العصر الثاني: المماليك الجراكسة أو البرجية (792- 923هـ).. عصر المماليك البحرية (648- 792هـ):
بلطة المماليك البحرية: هم مماليك السلطان الصالح نجم الدين أيوب الذين كثر عددهم، وزادت تعدياتهم فضج منهم السكان فبنى لهم قلعة في جزيرة الروضة عام 638هـ، فعُرِفُوا بالمماليك البحرية.
حكم هؤلاء المماليك البحرية مصر مدة أربع وأربعين ومائة سنة (648- 792هـ)، بدأت بحكم عز الدين أيبك. وقد تمثل هذا الحكم في أسرتين فقط، وهما أسرة الظاهر بيبرس البندقداري، وقد دام حكمها مدة عشرين سنة (658- 678هـ).
أمّا الأسرة الثانية فهي أسرة المنصور قلاوون، وقد استمر أمرها أربع عشرة ومائة سنة (678 - 792هـ) وحكم هو وأولاده وأحفاده، لم يتخللها سوى خمس سنوات خرج أمر مصر من أيديهم، إذ تسلم العادل كتبغا والمنصور لاجين والمظفر بيبرس الجاشنكير وقد قُتِلَ ثلاثتهم، حكم الأوليان منهم مدة أربع سنوات (694 - 698هـ) وحكم الثالث ما يقرب من سنة (708- 709هـ)[1].
عصر المماليك الجراكسة أو البرجية (792- 923هـ):
موطن الجراكسة هو الأرض المشرفة على البحر الأسود من جهة الشمال الشرقي، وتشكل أرضهم الجزء الشمالي الغربي من بلاد القفقاس الممتدة بين بحري الأسود والخزر، والتي كانت تعرف يومذاك باسم بلاد القفجاق، وغدت تلك الجهات آنذاك مسرحًا للصراع بين مغول فارس أو الدولة الإيلخانية، ومغول القفجاق أو الأسرة الذهبية، وهذا الصراع جعل أعدادًا من أبناء الجراكسة تدخل سوق النخاسة، وتنتقل إلى مصر فاشترى السلطان المنصور قلاوون أعدادًا منهم ليتخلص من صراع المماليك البحرية، وليضمن الحفاظ على السلطنة له ولأبنائه من بعده، وقد أطلق على هؤلاء المماليك الجدد المماليك الجراكسة نسبة إلى أصولهم التي ينتمون إليها، كما أطلق عليهم اسم المماليك البرجية نسبة إلى القلعة التي وضعوا فيها[2].
لقد حكم المماليك الجراكسة مصر والشام والحجاز مدة تزيد على إحدى وثلاثين ومائة سنة (792- 923هـ) وتعاقب في هذه المدة أكثر من سبعة وعشرين سلطانًا، لم تزد مدة الحكم على خمسة عشر عامًا، إلا لأربعة منهم وهم: الأشرف قايتباي، وقد حكم 29 سنة (872- 901هـ)، والأشرف قانصوه الغوري وقد حكم 17 سنة (906- 922هـ)، والأشرف برسباي وحكم 16 سنة (825- 841هـ)، والظاهر جقمق وحكم 15 سنة (842- 857هـ).
وهناك ست سلاطين حكموا عدة سنوات أو أكثر من سنة وهم: الظاهر برقوق وحكم تسع سنوات (792- 801هـ) وهي المرة الثانية بعد خلع المنصور حاجي، وابنه الناصر فرج وقد حكم مرتين في كل مرة سبع سنوات (801- 808هـ) (808 - 815هـ)، والمؤيد وحكم تسع سنوات (815- 824هـ)، والأشرف إينال وحكم سبع سنوات (857- 865هـ)، والظاهر خشقدم وحكم سبع سنوات أيضًا (865- 872هـ).
أما السلاطين الخمسة عشرة الباقون فكانت مدة حكم الواحد أقل من سنة بل إن بعضهم لم تزد مدة حكمه على الليلة الواحدة إذ أن خير بك قد تسلم السلطنة مساءً وخُلِعَ صباحًا وذلك عام 872هـ[3].
وقد برز في العصر المملوكي كثير من سلاطين المماليك كان لهم دور كبير في تغيير كثير من صفحات التاريخ، كما تركوا بصمات واضحة في التاريخ الإسلامي نذكر منهم:
الظاهر بيبرس:
اتصف بيبرس بالحزم ، والبأس الشديد، وعلو الهمة، وبعد النظر، وحسن التدبير، واجتمعت فيه صفات العدل والفروسية والإقدام، فلم يكد يستقر في الحكم حتى اتخذ عدة إجراءات تهدف إلى تثبيت أقدامه في الحكم منها: التقرب من الخاصة والعامة؛ بتخفيف الضرائب عن السكان، كما عفا عن السجناء السياسيين، وأفرج عنهم، كما عمل على الانفتاح على العالم الإسلامي لكسب ود زعمائه[4].
وقام كذلك بالقضاء على الحركات المناهضة لحكمه، وأعاد الأمن والسكينة إلى البلاد[5]. وإضافةً إلى ذلك، أعاد إحياء الخلافة العباسية.
وعندما توطدت دعائم سلطة المماليك، وقويت شوكتهم، نتيجة الإجراءات التي اتخذها "بيبرس"، رأى هذا السلطان ضرورة متابعة سياسة صلاح الدين الأيوبي وخلفائه في طرد الصليبيين، وإجلائهم عن البلاد الإسلامية، ولم يكن ذلك بالأمر السهل، فقد كان لزامًا عليه أن يجابه ما تبقى من الإمارات الصليبية وهي أنطاكية، وطرابلس، والجزء الباقي من مملكة بيت المقدس، وحتى يحقق هدفه اتبع إستراتيجية عسكرية قائمة على ضرب هذه الإمارات الواحدة تلو الأخرى، ولم تنقضِ سنة من السنوات العشر الواقعة بين عامي ( 659- 669هـ/ 1261- 1271م) دون أن يوجه إليهم حملة صغيرة أو كبيرة، وكان ينتصر عليهم في كل مرة[6].
تُتَّهم الدولة المملوكية كثيرًا بالضعف الحضاري، والهزال العلمي الفكري، ولكن التاريخ الصحيح يُكذِّب ذلك؛ فقد كان لفنون الحضارة مكان عزيز عند المماليك؛ فمن ذلك جهودهم التي قاموا بها في المجالات التالية:
تطوير الجهاز الإداري:
حرص سلاطين المماليك على تطوير الجهازين الإداري والعسكري، فاستحدث الظاهر بيبرس بعض الوظائف الإدارية لأن الوظائف التي عرفها المماليك وأخذوها عن الأيوبيين أصبحت لا تفي بحاجة الدولة الآخذة في التطور والتوسع فأنشأ وظائف جديدة لم تكن معروفة في مصر من قبل يشغلها أمراء يعينهم السلطان من بين الأشخاص الذين يثق بهم.
تعديل نظام القضاء:
كان يتولى منصب القضاء في عهد الأيوبيين في القاهرة وسائر أعمال الديار المصرية، قاض واحد على المذهب الشافعي وله حق تعيين نواب عنه في الأقاليم، وأحيانًا كان يعين قاض للقاهرة والوجه البحري. وظل الوضع على ذلك حتى عام(660هـ/ 1262م). وما زال السلطان يطور النظام القضائي حتى ثبته وجعله مبدأ رسميًّا في (شهر ذي الحجة عام 663هـ/ شهر تشرين الأول عام 1265م)، فعين أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة وسمح لهم أن يعينوا نوابًا عنهم في الديار المصرية. فكان القاضي ابن بنت الأعز يمثل المذهب الشافعي، والقاضي صدر الدين سليمان يمثل المذهب الحنفي، والقاضي شرف الدين عمر السبكي يمثل المذهب المالكي، والقاضي شمس الدين القدسي يمثل قضاء الحنابلة، وفعل مثل ذلك في دمشق.
وسن بيبرس عدة تشريعات لتهذيب أخلاق المصريين لعل أهمها الأمر الذي أصدره في عام (664هـ/ 1266م) ومنع بموجبه بيع الخمور، وأقفل الحانات في مصر وبلاد الشام، ونفى كثيرًا من المفسدين[7].
المنشآت العمرانية:
من أهم منشآته العمرانية:
- جدد بناء الحرم النبوي
- جدد بناء قبة الصخرة في القدس، بعد أن تداعت أركانها.
- أعاد الضياع الخاصة بوقف الخليل في فلسطين، بعد أن دخلت في الإقطاع، ووقف عليه قرية اسمها بإذنا.
- بنى المدرسة الظاهرية بين القصرين، وعين فيها كبار الأساتذة كان من بينهم مدرس الحنفية الصاحب مجد الدين بن العديم، ومدرس الشافعية الشيخ تقي الدين بن رزين، وولى الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي مشيخة الحديث، والشيخ كمال الدين الحلبي مشيخة القرَّاء.
- بنى مسجده المعروف باسمه في ميدان الأزهر في القاهرة.
- بنى مشهد النصر في عين جالوت تخليدًا لذكرى الانتصار على المغول.
- جدد أسوار الإسكندرية
- أعاد بناء القلاع التي هدمها المغول في بلاد الشام مثل قلعة دمشق، قلعة الصلت، قلعة عجلون وغيرها[8].
[1] محمود شاكر: موسوعة التاريخ الإسلامي، العهد المملوكي 7/ 36، 37.
[2] المصدر السابق 7/70.
[3] السابق نفسه 7/71.
[4] د. طقوش: تاريخ المماليك ص88-90.
[5] المرجع السابق ص90-92.
[6] السابق نفسه ص119.
[7] السابق ص152، 153.
[8] السابق ص153، 154.
الكاتب: د. فهد بن ناصر الجديد
المصدر: موقع قصة الإسلام